" ســـــــــــاره. "
نطق هانى إسمها بوضوح ، و بصوت مُرتفع أهتزت له طبلة أذنى ،
و تصدع له قلبى ، و تزلزل له بدنى ..
ماذا قال هانى ؟
أ قال ساره ؟
أيقصد ساره فعلاً ؟
أ يريد الزواج من فتاتى التى تملئ حياتى بهجه وسرور ؟
أ يريد الزواج من حبيبتى لا أتخيل حياتى بدونها ؟
هل يمكن أن يكون يقصد ساره فعلاً ؟
كلا .. لا .. لابد أنه يقصد ساره أخرى ..
قلتُ بتشتت : " ساره من ؟ "
هانى قال بكل بساطه :
" ساره السكرتيره .. أقصد سابقاً .. فأنا لن أتركها تعمل لديك بعد
الأن يا ساحر النساء. " ! !
فتحتُ عيناى على وسعهما ، و فغرتُ فاهى لأقصى حد من هول
ما سمعتُ ، و تراجعتُ فى مقعدى كالمصعوق !
أذن .. أنا لم أسئ الفهم ، و هو يقصد ساره فعلاً !
يا ألهى ! لا أكاد أصدق ما أنا فيه !
كنتُ أحبس أنفاسى من شدة ذهولى ، و لا أقوى على النطق
بأى كلمه ..
بينما تلاشت إبتسامته هانى تماماً لما رأى حالتى تلك فقال وقد
طغى القلق على وجهه :
" ما الأمر ؟ ما بك يا طاهر ؟ "
قلتُ :" لا .. لاشئ .. فقط إننى .. تفاجأت. "
هانى عاد يبتسم من جديد وقال : " لا تنكر أنها مفاجأه ساره. "
تجاهلتُ جُملة هانى الأخيره تماماً وقلتُ بإضطراب :
" هل . . . تعرف ساره بهذا الأمر؟ "
هانى قال : " أخبرتها منذ قليل. "
سألته بتردد : " وكيف كان ردها ؟ "
هانى قال مازحاً :
" و هل تظنها قادره على مقاومة سحرى وجاذبيتى ؟ ! "
عادة أنا أضحك على أى مُزحه يقولها هانى ؛ فأنا أجده مرحاً
وخفيف الظل ، إلا أننى الأن لم أحتمل مزحته هذه ، ووجدتُ نفسى
أسأل بمزيج من الحده والصرامه ونفاذ صبر :
" هل وافقت يا هانى ؟ "
هانى دُهش من حدتى المفاجأه و أخذ ينظر إلىّ بدهشه لدقائق
قبل أن يقول :
" ماذا هناك يا طاهر ؟ "
تنهدتُ وقلتُ بهدوء نسبياً :
" أسف يا هانى .. لم أقصد هذا .. كفاك مزحاً وأخبرنى هل وافقت
ساره ؟ "
هانى قال مُبتسماً :" لم توافق فقط ، لقد قالت أن أى فتاه تتمنى
الزواج منى. "
هنا .. لم أندهش فحسب .. لقد صُعقتُ و ذهلتُ و شلتنى
المفاجأه تماماً .. فأخذتُ أحدق بهانى وقد أتسعت عيناى فى
دهشه حتى كادتا تخرجان من محجريهما !
لا .. لا يمكن أن يكون هذا حقيقاً .. مُستحيل أن يحدث هذا ..
مستحيل أن تقبل ساره الزواج من أى مخلوق غيرى .. إنها تحبنى
وأنا أعشقها و قد أتفقنا على الزواج !
فهل غيرت رأيها بهذه البساطه ؟
هل تخلت عنى بهذه السرعه ؟
" أخبرنى ما رأيك ؟ "
نظرتُ إلى هانى بتشتت ..
أتريد أن تعرف رأيى فى أن تتزوج من حبيبتى ؟
أتريد أن تستل روحى من كل خليه بجسدى و تسألنى عن رأيى ؟
أتريد أن تطعننى بخنجر حاد فى كل أنحاء جسدى و تسألنى عن رأيى ؟
ليتنى أموت و لا أسمع منك هذا السؤال يا هانى ..
بل ليتك تستل روحى من كله خليه بجسدى فعلاً ، وتطعننى
بخنجر فى كل أنحاء جسدى فعلاً ، و لا تخبرنى بأنك تريد الزواج
من الفتاه الوحيده التى أحببتها ..
الخائنه ساره التى تخلت عنى فى أقرب فرصه !
ألم نكن قد أتفقنا على الزواج ؟ !
ألم يكن كل شئ على ما يُرام حتى الأمس ؟ !
ماذا حدث أذن ؟
لماذا فعلت هذا بى ؟ لمــــــــــاذا ؟
على أى حال الخيانه ليست بالشئ جديد بالنسبة إلىّ .. لقد
أعتدتُ على تلقى الطعنات الغادره ، و الصفعات المؤلمه من أقرب
الناس إلىّ ..
لكن . . . هذه المره الصفعه كان أشد و أعنف ؛ فهى لم تتركنى
من أجل رجلاً لا علاقة لى به ..
بل تركتنى من أجل أقرب صديق إلىّ ..
كيف أستطاعت أن تفعل هذا بى وبه ؟ كيـــــــــــف ؟
ليتنى لم أحبك يا ساره .. و ليتنى لم أحبك يا نهله .. بل و ليتنى
ما رأيتكما معاً أيتها الخائنتان ..
لقد أفقدتمونى الثقه بجميع الفتيات ..
هانى كرر :
" أخبرنى ما رأيك يا طاهر ؟ "
رفعتُ بصر إلى هانى وقلتُ بأسى :
" مبارك عليكِ يا هانى .. أتمنى لك السعاده من كل قلبى . "
قلتُ جُملتى و هببتُ واقفاً ، هاماً الذهاب إلى الحجرنى ، لولا أن
أستوقفنى هانى حين قال :
" إلى أين ؟ "
قلتُ :"سأعود إلى حجرتى .. لدى أعمالاً كثيراً. "
و سارعتُ بمغادرة الحجره ...
بعد فتره من الزمن دلفت نهله إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها ،
بينما ظللتُ أنا وحدى ، تلعب برأسى الهواجس والأفكار ..
ماذا لو أخبر هانى طاهر بما قاله لى ؟
ماذا لو عرف طاهر أن هانى قد عرض علىّ الزواج ؟
ما هذه المصيبه التى حلت فوق رأسى يا ربى ؟
ماذا يحدث لى بالضبط ؟ لماذا تنزل على رأسى المصائب واحده تلو
الأخرى ؟ !
يارب رحمتك بى ..
بعد فتره طويله وجدت طاهر يغادر حجرة هانى متجهاً إلى حجرته
دون أن يبدو عليه أنه قد أنتبه لوجودى أصلاً ..
و حين ناديتُ عليه لم يرد ودلف إلى حجرته مباشرة ً !
لم أحتمل هذا المعامله المُهينه من طاهر ، فنهضت ولحقتُ به قبل
أن يغلق الباب ، و دلفتُ إلى حجرته ..
" ما الأمر ؟ "
كان طاهر مولياً ظهره لى ، ولم يبد عليه أن قد سمع سؤالى ..
عدتُ أقول بنفاذ صبر : " ما الأمر يا طاهر ؟ "
طاهر ألتفت إلىّ و رشقنى بنظره ناريه جعلتنى أتسمر بمكانى
، و
أخرست لسانى عن النطق تماماً ..
أذن .. صدق تكهنى .. لقد أخبره هانى بعرضه علىّ للزواج ..
" ماذا تريدين ؟ "
سألنى طاهر ، فقلتُ مُتلعثمه :
" أريد أن . . . . . . . . أشرح لك الأمر. "
تقدم طاهر منى خطوتان و قد ضاقت عيناه غضباً و أشتعلتا
كجمرتان من النار ، و قبض على يدى بقوه كادت معها عظام يدى
أن تتهشم ، و قال :
" ماذا تريدين أن تقولى ؟ "
أرتبكتُ وقلتُ : "أأ .. أنا . . . . . "
طاهر قال فجأه بثوره :
" أنتِ خائنه .. غادره .. كاذبه .. لعنة الله عليكِ. "
هالنى ما قاله ، وبقيتُ للحظه أحدق به بعدم أستيعاب !
واخيراً تحرك لسانى المعقود و أستطعتُ أن أقول :
" ماذا تقول يا طاهر ؟ "
طاهر قال :" أقول الحقيقه .. أليست الحقيقه ؟ ألم تخونينى ؟
ألم تغدرى بى ؟ ألم تكذبى علىّ ؟ ألم تخدعينى ؟ "
قلتُ : " كلا .. لا .. "
طاهر قال :" أذن .. ماذا تسمى فعلتكِ تلك ؟ "
قلتُ :" أنت لا تفهم أى شئ. "
طاهر قال بحده :" بل لقد فهمتُ الأن كل شئ .. فهمتُ أنكِ أتفه مما توقعتُ. "
ألمتنى جُملته ، وأثارت غضبى فى آن واحد ، فقلتُ بثوره :
" أنا لا أسمح لك. "
أزدادت قبضة طاهر على يدى أكثر و أكثر وشعرتُ بأسنانه تصطك ببعضها غضباً ، مما جعلنى أنتفض ذُعراً ..
" لقد كنتُ تلعبين على الجهتين .. كنتُ تخدعينا معاً .. أنت مخادعه صغيره .. لستُ أدرى كيف أستطعتِ خداعى ببراءتكِ المزيفه ؟ كيف ؟ أنطقى .. كيف ؟ "
قلتُ و قد بدأت دموعى تشق طريقها على خدى لتنتهى عند حجابى :
" لا تقول كلاماً قد تندم عليه يا طاهر .. أنا لم أخنك أبداً .. و الله لم أخنك .. إننى أتعجب كيف تظن هذا بى أصلاً ؟ "
حرر طاهر رسغى من قبضته فجأه ، و بلا مُقدمات أخذ يصفق بيديه قائلاً بسخريه :
" جميل .. رائع .. أنتِ فنانه بارعه .. وقد قمتى بتأديه هذا المشهد الدرامى ببراعه .. لكنى للأسف أعرف أن كل هذا ليس سوى فيلم سخيف مثلكِ. "
ألمتنى كلماته كثيراً ، فقلتُ : " أنتبه لما تقول يا طاهر .. "
طاهر صرخ بى :" بل أنتبهى أنتِ منى ومما ستلاقينه على يدى تلك .. لا تظنين أننى سأتركك تفلتين من قبضنى بفعلتكِ هذه أيتها اللعينـ...... "
صحتُ به مقاطعه : " أصمت. "
رفع طاهر يده وكاد أن يهوى بها على خدى ، لولا أن أنحرفت يده عن وجهى قليلاً لتهوى على الحائط بضربة أهتز لها الحائط ، بل والبنايه بأكملها !
حبستُ أخر نفس ألتقطته بصدرى و أخذتُ أحدق بطاهر برعب ، و إلى قبضته التى كانت ستهوى على وجهى منذ لحظات ، و أنا مشلوله تماماً وغير قادره على الحركه !
طاهر كان يلتقط أنفاسه بصعوبه ، وكأنه ركض لمسافه طويله ، و كان وجهه مُحمراً و متعرقاً ، و عيناه مُحمرتان ذات نظرات ثاقبه .. و مُرعبه !
" أنصـــــــــــرفى. "
قال طاهر كلمته الأخيره بصوت أجش مُخيف .. و لستُ أدرى كيف تحركت قدماى المشلولتان ، و أخذتا تصارعان الريح إلى أن غادرتُ المكتب ؟ !
فى طريقى قابلت عابد ، و الذى كان على ما يبدو ذاهباً لنهله بمكتبها ..
نادانى عابد فلم أستجب لنداءه و مررتُ بجانبه كالقذيفه الموجهه نحو السلم .. و إلى الخارج .. و بلا عوده ..
***********
فى صباح اليوم التالى .. أعددتُ طعام الغداء ، ثم بدأتُ بتنظيف الشقه وأزالت الأتربه عن الأثاث ..
حين عاد زوجى من الخارج فى اليوم التالى ، كنتُ أرتدى ملابسى أستعداداً للخروج ..
" هل ستذهبين إلى خالتكِ اليوم أيضاً ؟ "
قلتُ :" بلى .. لكنى سأعود فى المساء. "
قال :" أذن .. أتصلى بى فى المساء لأتى لأصطحابكِ إلى المنزل. "
قلتُ : " حسناً. "
توقفتُ عما أفعله ، و ترددتُ قليلاً ..
كنتُ أريد أن أتحدث إليه بأمر الذهاب إلى الطبيب لنعلم لما تأخرنا فى الأنجاب ؛ فهذا الأمر يشغل تفكيرى منذ فتره ..
إلا إننى لم أجرؤ على الكلام .. و ألتزمتُ الصمت لفتره من الزمن ..
أحمد سألنى :
" لما توقفتِ ؟ هل غيرتِ رأيك و لن تذهبين إلى خالتك ؟ "
قلتُ :" بل . . هناك ما أريد التحدث معكِ بشأنه. "
بدا الأهتمام على وجه أحمد وهو يقول : " خيراً ؟ ما الأمر ؟ "
طأطأتُ برأسى أرضاً ، ولم أرد ..
أحمد أبتسم وقال :" هل تريدين نقود ؟ قلتُ لكِ مائه مره ألا تخجلى من طلب أى شئ .. أنتِ زوجتى و كل ما أملك لكِ يا حبيبتى . "
شعرتُ بالخجل من نفسى بعد كلماته .. كيف سأقول له هذا ؟
أخرج أحمد من جيب سترته عدة أوراق ماليه ومد لى يده بها ..
عضضتُ على شفتى السفلى وقلتُ :
" لا أريد نقود. "
أحمد قال :" حسناً .. خذى هذه النقود .. و أخبرينى بعد ذلك ماذا تريدين ؟ "
مددتُ يدى بخجل وألتقطتُ النقود ووضعتها بحقيبتى ..
" ما الأمر أذن ؟ "
قلتُ بخجل وتردد :
" فى الحقيقه .. كنتُ .. أريد الذهاب إلى .. الطبيب."
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا