ღϠ₡ يــــا من سكـــن فؤادى ₡Ϡღ ........ الحلقة الثانية والعشرون

Leave a Comment

فى صباح اليوم التالى ، بينما كنتُ أفتح باب المكتب الخارجى بمفتاحى ، أتت ساره من خلفى وقالت: "صباح الخير يا طاهر."




ألتفتتُ إلى ساره وقلتُ: "صباح الخير يا ساره.. لم أتوقع أن تأتى اليوم إلى المكتب."




أبتسمت ساره وقالت مازحه: "لماذا؟ لقد حصلتُ على أعتذار رسمى ، وأمام شهود."




بادلتها الأبتسامه وقلتُ: "أخبرينى كيف حالك اليوم؟"




قالت: "حمداً لله."




رددتُ خلفها: "حمداً لله."




كنتُ قد فتحتُ باب المكتب فدلفتُ إليه وضغطتُ زر الأضاءه ، فدلفت ساره بدورها إلى المكتب وقالت:"ما رأيك فى فنجان قهوه؟"




قلتُ بحماس:"جميل.. خاصه إذا كنتِ ستعدينه بنفسك."




أبتسمت ساره وقالت:"حسناً.. سأعد لك أجمل فنجان قهوه على الأطلاق."




وأتجهت نحو المطبخ بضع خطوات قبل أن تتوقف فجأه وتمسك برأسها ، هرولت نحوها بسرعه وسألتها:"هل تشعرين بشئ؟ هل عاد الدوار؟"




قالت ساره بصوت واهن:"بلى.. أخشى أنه قد عاد."




قلتُ:"أنكِ ضعيفه جداً يا ساره.. لابد أن تهتمى وتذهبى إلى الطبيب.. رُبما كانت لديك مشكلة ما لا قدر الله."




قالت ساره بسرعه:"كلا.. لقد أصبحتُ بخير."



وعادت لتسير نحو المطبخ ، فخشيتُ أن يعاودها الدوار ، فقلتُ لها:"سأرافقكِ إلى المطبخ."



********************



لم أكن أشعر بالدوار فى الواقع ؛ إلا أننى كنتُ أريد المزيد من الأهتمام من قبل طاهر ، فأفتعلتُ أحساسى بالدوار ، وحققتُ الهدف المطلوب ؛ فقد بدا طاهر قلقاً علىّ ، وأمسك بيدى ورافقنى إلى المطبخ !




حين دلفتُ إلى المطبخ أحضر طاهر لى مقعداً وقال لى:"أجلسى هنا وأستريحى ؛ وأنا سأعد لكِ القهوه."




أعترضتُ وقلتُ:"كلا.. أنا سأعدها بنفسى.. لقد قلتُ منذ قليل أنك تحب القهوه التى أعدها."




أبتسم طاهر وقال:"بلى ولكنك مريضه الأن.. دعينى أنا أعد القهوه."




أذعنتُ لرغبات طاهر ، وأخذتُ أراقبه بينما كان يعد القهوه ، وحين أنتهى من إعداد القهوه وضع الفنجانين فى الصينيه وقال لى:"سأذهب لأضعهم فى الخارج ، ثم سأتى إليك لتستندين علىّ."




غادر طاهر المطبخ وعاد بعد قليل ، ومد لى يده لأستند عليه ، جميل جداً أن أشعر أن هناك من يهتم بى ويقلق علىّ !




كان طاهر قد وضع القهوه فى الأنتريه الموضوع فى الصاله ، فجلستُ على إحدى المقاعد ، فقدم لى طاهر فنجان القهوه قبل أن يجلس فى المقعد المقابل لى..




أخذتُ أرتشف قهوتى فى صمت ، وحين أنتهيتُ منها وضعتها فوق المنضده ونظرتُ إلى طاهر الذى كان يتأملنى دون أن يرشف رشفه واحده من فنجانبه..




سألته: "لما لا تشرب القهوه؟ ألا تعجبك؟"




قال طاهر: "لا بأس بها ؛ إلا أنها ليست كالتى تعدينها على أى حال."




قلتُ: "أسفه لأننى لم أصنعها لك."




ظل طاهر ينظر إلىّ بتمعن قبل أن يقول: "ساره.. إذا كنتِ مريضه ولن تستطيعين العمل فسوف أقوم بتوصيلكِ إلى منزلكِ حالاً."




قلتُ بسرعه: "كلا.. لا.. أنا بخير جداً."




قال طاهر: "حسناً.. لكن إذا شعرتِ بالدوار مره ثانيه فأخبرينى."




قلتُ: "حسناً."



أتجه طاهر إلى حجرته وأغلق بابها خلفه ، بينما جلستُ أنا خلف مكتبى وبدأتُ فى الكتابه على الحاسب الألى..


****************فى اليوم التالى ، بينما كنتُ أقف فى أنتظار المصعد أتى شخص ما ووقف بجانبى فى أنتظار المصعد ، لم أهتم كثيراً بالنظر إليه وأنتظرتُ حتى وصل المصعد ودلفتُ إليه ، فدلف هذا الشخص بدوره وقال لى:"أى طابق تريدين؟"أجبتُ بدون أن أنظر إليه:"الثانى."


ضغط الشاب الزر ثم نظر إلىّ وقال:"معذره ولكن.. هل ألتقينا من قبل؟"نظرتُ إلى الشاب ، كان طويلاً ، مفتول العضلات ، وكان أبيض البشره ، أسود العينان والشعر ، ملامحه جذابه ، عرفتُ بسرعه أنه هو من كاد أن يصدم ساره بسيارته ، إلا أننى قلتُ نافيه:"لا أعتقد."كان المصعد قد وصل إلى الطابق الثانى ، فقال لى:"لقد تذكرت.. إنكِ صديقة الفتاه التى كدتُ أصدمها بالأمس.


"أفتعلتُ النسيان وقلتُ:"آه.. أنه أنت أذن.. أهلاً بك."قال الشاب:"أهلاً بكِ.. أسمى عابد."قلتُ بلا أكتراث:"تشرفنا.."وكدتُ أغادر المصعد لولا أنه أستوقفنى حين قال:"يبدو أننا جيران.. إننى أقيم فى الطابق الرابع.. لقد أنتقلتُ إلى هنا الأسبوع الماضى.. هل تقيمين هنا؟"قلتُ:"كلا.. إننى أعمل فى مكتب المحاسبه."قال:"يالها من مصادفه جميله! لقد كنتُ أبحث عن مكتب محاسبه ليتولى لى أمور الضرائب و......"قاطعته قائله بنفاذ صبر:"أذن.. تفضل بزيارتى فى مكتبى.


"أبتسم الشاب وقال:"حسناً.. سأقوم بزيارتك مكتبكِ قريباً.. تشرفت بمعرفتك يا أنسه......"كان يشير بهذا إلى أنه لم يعرف أسمى بعد ، فتجاهلته تماماً ، وأصطنعتُ عدم الفهم وقلتُ:"وأنا أيضاً تشرفت بمعرفتك."قلتُ جُملتى وغادرتُ المصعد وأتجهتُ نحو المكتب ، كانت ساره جالسه خلف مكتبها ومنهكمه فى الكتابه على الحاسب الألى ، ألقيتُ عليها التحيه ،


فرفعت بصرها إلىّ وأجابت تحيتى ، فقلتُ لها بلطف مصطنع:"كيف حالك اليوم يا ساره؟"قالت ساره بأقتضاب: "أنا بخير."قلتُ: "تبدين مريضه.. لما لم تظلى فى منزلك اليوم حتى تتحسن حالتكِ قليلاً؟"قالت ساره بحسم: "لكنى بخير.. وقد أتيت اليوم.. شكراً على النصيحه."فهمتُ أن ساره تنهى بهذا الحوار فهززتُ كتفاى وقلتُ: "حسناً.. كما تشائين."قلتُ جُملتى وأتجهتُ نحو حجرة طاهر المُغلقه وطرقتها.


.*************************سمعتُ صوت طرقات على باب حجرتى ، فتوقعتُ أن تكون ساره ؛ لأن نهله لا تطرق الأبواب ، هذا غير أنها لم تصل بعد..قلتُ: "تفضلى يا ساره."فُتح باب الحجره وظهرت من خلفه نهله ! يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم !"صباح الخير يا طاهر."ألقت نهله التحيه علىّ فأجبتُ قائلاً:"صباح الخير يا نهله.. أتيتِ اليوم متأخره نصف ساعه"نهله أبتسمت وقالت:"أليس من حقى أن أتأخر قليلاً يا حبيبى؟"ها قد بدأنا ، قلتُ:"لا تنادينى بحبيبى ثانيه يا نهله.. ورجاءً لا تتأخرى غداً."


جلست نهله فى مواجهتى ووضعت إحدى ساقيها فوق الأخره ثم قالت:"لماذا؟ ألست حبيبى بالفعل؟"أجبتُ:"كلا.. لست حبيبك."تجلى الحزن على وجه نهله ثم قالت بنره حزينه: "رُبما كنت لا تبادلنى مشاعرى ، ورُبما كانت مشاعرك ملك لأخرى ، لكن هذا لا يمنعنى من حبك."


وأبتسمت ثم قالت: "أذن فأنت حبيبى."قلتُ بجديه:"نهله.. رجاءً دعكِ من هذه الأوهام وكونى واقعيه ؛ فأنا لستُ حبيبك ولن أتزوج سوى من الفتاه التى أحبها."أطالت نهله النظر إلىّ ، ثم قالت بأسى:"ساره هى هذه الفتاه.. أليس كذلك؟"قلتُ بصدق:"بلى.. أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها."أغرورقت عينا نهله بالدموع وقالت:"لماذا يا طاهر؟ إنها ليست أجمل منى ، ولا يوجد بها شئ يميزها عنى.


"قلتُ:"رُبما كنتِ بالفعل أكثر جمالاً منها ، لكنى أحبها يا نهله ، وهى لم تتركنى لأجل شخص أخر ، ولا أظن أن تصرف كهذا يصدر من فتاه بريئه ونقيه مثل ساره."بدأت دموع نهله فى الأنهمار على وجهها ، فقلتُ لها:"رجاءً لا تبكى يا نهله.. فأنتِ لم تحبينى أبداً ، ويوماً ما ستجدين من تحبينه ويحبك.


"قالت نهله بصوت ضعيف:"لكنى أحبك فعلاً.. أنك جزءً لا يتجزأ منى.. لن أستطيع أن أحيا بدونك يا طاهر."جثملتها الأخيره جعلتنى أتذكر محاولاتها للأنتحار ، فقلتُ:"أعرف أن هذا الكلام يجرحكِ ، لكن مهما كان كلامى جارحاً ، لا يجب عليكِ أن تفكرى فى الأنتحار ثانيه."قالت نهله بأنفعال:"أنا لستُ مجنونه لأفكر فى الأنتحار ، لقد كان حادثاً ، وكنتُ يائسه فتركت الجرح ينزف ، لم أتعمد الأنتحار ، لكنى وجدتها فرصه للخلاص من عذابى."كلامات نهله أراحتنى كثيراً ، أزالت عن عاتقى حملاً ثقيلاً ، فقلتُ لها:"أنتِ فتاه جميله يا نهله.. والكثيرون يتمنون الأرتباط بكِ.. لا تضيعى فرصاً قد لا تعوض."نهله نظرت إلىّ طويلاً ثم قالت:


"أذن.. لقد أخبرتك أمى عن ذلك الطبيب الذى تقدم لخطبتى بالأمس."لم أكن أدرى شيئاً عن ذلك الطبيب الذى تتحدث عنه نهله ، فقلتُ لها:"لم يخبرنى أحداً عن أى شئ.. أننى أتحدث عن الأمر بصوره عامه.. وأنصحكِ بأن تقبلى بهذا الطبيب."نهله ظلت صامته للحظات ، قبل أن تنهض من مكانها وتجفف دموعها قائله:"حسناً يا طاهر.. لن أقول لكِ يا حبيبى ثانيه.."ولتنى نهله ظهرها وتقدمت خطوتين فى أتجاه الباب ، ثم توقفتُ وألتفتت إلىّ وقالت:


"لقد قابلتُ ذلك الشاب الذى كاد يصدم ساره بسيارته بالأمس ، إنه يقيم هنا فى نفس البنايه وأسمه عابد ، وقد قال أنه سيأتى إلى مكتبنا لأنه يريد نتولى له أمور الضرائب.. رجاءً تولى هذا الأمر بنفسك.


"*************************


ظللتُ أتقلب على سريرى ، من جانب إلى أخر ، وعبثاً حاولت النوم ؛ كنتُ أشعر بأننى أتقلب على جمرٍ مُتقد من النار رغم برودة الهواء!


وقد كان صوت طاهر المنبعث من عقلى يؤرقنى ، والحقيقه أنه.. يؤلمنى بشده..



"أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها.""أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها.""أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها.""أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها.""أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها."



ظلت كلماته تتردد فى عقلى وكلما حولت تجاهلها ونسيانها كلما أزداد ترددها أكثر وأكثر فى عقلى..



نهضتُ من مكانى وفتحت النافذه على مصرعيها لأستنشق الهواء ، فإذا برياح شديده تعصف بحجرتى ، فتطايرت الأوراق الموضوعه على سطح مكتبى ، وأصبحت حجرتى تغرق فى الفوضى..




أنحنيتُ لأجمع الأوراق ، وحين أنتهيتُ من جمعها ، جلستُ خلف مكتبى وألتقطتُ ورقه بيضاء ، ثم كتبت تلك الأبيات..



طريق طويـــــــــل ، قد يكون بلا نهايه..


أيام حملت من الألام والعذاب ، ما فيه الكفايه..


أعلم أن الفراق كان بيدى ، فما كنتُ أدرى أن أبتعادك عنى سيدمرنى ويجعلنى أشلاء وبقايا..


ياليتنى كنتُ أدرى مصير الطريق من البدايه!


ماكنتُ سلكته ، وما كانت أصل الحكايه..


فمتى بالله تسدل الستائر وتعلن النهايه؟


نهاية الفراق ، لنعود يا حبيبى كما كنا فى البدايه..



طويتُ الورقه وفتحت إحدى أدراج مكتبى لأضع الورقه بها ، فأستوقفتنى تلك الصوره بالدرج..




ألتقطتها بلا شعور ، ثم وضعتُ الورقه بالدرج وذهبتُ لأجلس على طرف فراشى ، وتلك الصوره بين يدى..




تركتُ أبتسامتى تطفو على شفتاى وأنا أنظر لصورتى أنا وطاهر التى ألتقاطها لنا هانى قبل خمس سنوات ، حين كنا فى الجامعه ، وقد كنا نجلس متجاورين ويدانا متشابكه!




أعادتنى هذه الصوره إلى الخلف عدة سنوات ، وتذكرتُ كم كان طاهر يحبنى! وكم كان يعاملنى برقه!



ليت هذه الأيام تعود! ليتنى حافظت عليك يا طاهر! ليتنى ما تركتك!



"رُبما كنتِ بالفعل أكثر جمالاً منها ، لكنى أحبها يا نهله ، وهى لم تتركنى لأجل شخص أخر ، ولا أظن أن تصرف كهذا يصدر من فتاه بريئه ونقيه مثل ساره."



قفزت جُملة طاهر إلى رأسى بغته ، وأعادتنى إلى الواقع الأليم ، وهو أن طاهر غارقاً حتى أذنيه فى حب ساره ، وأن محاولاتى لعودتنا من جديد ستبوء بالفشل فى النهايه ، هذا لو أنها لم تبوء بالفشل بالفعل..



*******************



أستيقظتُ فى صباح اليوم التالى لأجد نفسى نائمه على سريرى وصورة طاهر بين أحضانى!




كنتُ أشعر بألم شديد برأسى ، رُبما كان ذلك بسبب الدموع التى ذرفتها بالأمس ، أو رُبما لأننى لم أنام سوى ساعات قليله جداً ومتقطعه ، ورُبما كانت من كثرة التفكير..




فى الحقيقه أنا لستُ متأكده من السبب الحقيقى لألم رأسى ، لكنى متأكده من شئ واحد فقط ، وهو ضرورة صرف مشاعرى عن الرجل الوحيد الذى أحببته ، وطوى هذه الصفحه تماماً..




ذهبتُ وأخذتُ حماماً دافئاً ، ثم أرتديتُ ملابسى وذهبتُ إلى المكتب..




كانت ساره هى أول من قابلتُ عند دخولى إلى المكتب ، فقد كانت تجلس خلف مكتبها ، وكانت تطالع كتاب ما ، وجدتها فرصه جيده لأن أصلح المشاكل التى بينى وبينها ، فأقتربتُ منها وقلتُ:


"صباح الخير يا ساره."




رفعت ساره بصرها قليلاً ، ونظرت إلىّ ثم قالت: "صباح الخير." وعادت لتقرأ الكتاب من جديد..




سألتها بتردد: "ماذا تقرأين؟"




ساره نظرت إلىّ نظره لم أفهمها ، ثم قالت: "إحدى الكتب المقرره علينا فى الجامعه."




قلتُ: "عظيم.. لقد أقتربت أختبارات نهاية العام ، أتمنى أن تكونى مستعده لها."




قالت ساره بنفاذ صبر: "بلى.. إننى مستعده لها.. شكراً لسؤالك."




قلتُ بصدق: "إذا أردتِ أى مساعده لا تتردى فى طلبها منى؟"




ساره نظرت إلىّ بدهشه ثم قالت: "شكراً لكِ.. لكن طاهر دائماً ما يساعدنى فى المذاكره."




أشتططتُ غضباً ، وأحتقن وجهى بشده ، وقلتُ محاوله أخفاء أستيائى: "عظيم.. موفقه بأذن الله." وتوجهتُ إلى حجرتى ، وأغلقتُ بابها خلفى.



***********************


لستُ أدرى لما بدت نهله لطيفه هذا الصباح! وهل تصدقون أنها عرضت علىّ أن تساعدنى فى أستذكار دروسى؟



لكنى ردعتها عن هذا ، وقلتُ لها أن طاهر يساعدنى فى أستذكار دروسى ، برغم من أن هذا لم يحدث إلا نادراً ، لكنى حققتُ مرادى على أى حال ، ورأيتُ الدماء تحتقن فى وجه نهله قبل أن تنصرف بهدوء وتختفى طوال اليوم بحجرتها.. سُبحان مُغير الأحوال!




من يصدق أن تلك القطه الوديعه التى عرضت علىّ المساعده اليوم هى ذاتها نهله التى كانت لا تطيق رؤيتى؟!




كانت عقارب الساعه تشير إلى الثالثه والنصف حين طرقتُ باب حجرة طاهر ، وأنتظرتُ حتى سمح لى بالدخول ، ففتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره..




كان طاهر جالساً خلف مكتبه يدخن ، أقتربت من مكتبه بخطوات بطيئه ومتردده ، وحين لاحظ طاهر ترددى سألنى: "أهناك شئ؟"




تلعثمت وقلتُ: "كلا.. أقصد.. فى الحقيقه.. بلى."




طاهر نظر إلىّ بتمعن وقال: "ما الأمر؟"




قلتُ بخجل: "أريد أن أنصرف باكراً اليوم."




عقد طاهر حاجبيه بشده وسألنى: "أهذا كل شئ؟"




أومأتُ برأسى إيجاباً ، فسألنى: "ولماذا تريدين الأنصراف باكراً؟"




قلتُ: "اليوم يكون قد مر أسبوع على زواج ابنة خالتى ، والعائله اليوم ستجتمع فى منزلها ، وأعتقد أنه ينبغى علىّ أن أذهب."




أطفأ طاهر سيجارته فى المنفضه ثم قال: "هل ستذهبين إليها باكراً هكذا؟"




قلتُ بسرعه: "كلا.. لا.. لكنى أريد أن أستعد لهذا."




أطال طاهر النظر إلىّ ثم قال: "وكيف يكون هذا الأستعداد؟"




أبتسمتُ بخجل وقلتُ: "بأن أبدل ثيابى بثياب تلائم هذه المناسبه."




رفع طاهر حاجبيه وقال: "وهذه الثياب الملائمه ، تشبه ذلك الفستان الذى كنتِ ترتدينه يوم حفل زفافها؟"




توردت وجنتاى خجلاً وقلتُ مرتكبه: "ليس تماماً ؛ فذلك الفستان الذى كنتُ أرتديه يوم الحفل كان لامعاً و.."




بترتُ جُملتى حين تغيرت تعبيرات وجه طاهر ، وتجلى الأستياء على وجهه ، فسألته بتردد: "ألم.. يعجبك ذلك الفستان؟"




طاهر قال: "على العكس.. إنه فستان رائع.. ويناسبكِ جداً.. لكنه ضيق.. هذا غير أنه عارى الأكمام."




فاجأنى كلامه ، وأحرجنى كثيراً ، فعضضتُ على شفتاى بخجل ، وطأطأتُ برأسى أرضاً ، فى حين تابع طاهر: "ألم تفكرى أبداً فى أرتداء الحجاب يا ساره؟"




رفعتُ بصى إليه ، وحدقتُ به فى ذهول وأزدردتُ ريقى بصعوبه ، ثم قلتُ متلعثمه: "فى الحقيقه.. لم أفكر بهذا من قبل.." وعدتُ لأطأطأ برأسى أرضاً ، وأنا لا أجروء على النظر إليه من شدة خجلى..




طاهر قال: "أنتِ فتاه جميله يا ساره.. وطبعاً أنا لستُ أول من يقول لكِ هذا الكلام و......."




رفعتُ بصرى إليه وقاطعته قائله: "بل أنت أول من يقول لى هذا الكلام."




أبتسم طاهر وكشفت أبتسامته عن أسنان ناصعه البياض ، ثم قال: "لكنها الحقيقه ، وأنا لا أريد أن يرى أحداً هذا الجمال.. أفهمتِ؟"




هززتُ رأسى علامة الموافقه وقلتُ: "بلى.. فهمت."




سألنى بتردد: "هل سترتدين الحجاب؟"



نظرتُ إلى طاهر بعمق ، وتمنيتُ لو أستطيع أن أخترق رأسه بنظراتى ، لأعرف ماذا يدور بهذه الرأس؟ ولما يريدنى صاحبها أن أرتدى الحجاب؟



هل أفهم من هذا أنه يغار علىّ من أعين الناس ؟! أم أنه متدين ومتعصب لدينه؟!



"هل سترتدين الحجاب يا ساره؟"




كرر طاهر جُملته ، فأبتسمتُ وقلتُ: "إذا كانت هذه هى رغبتك ، فسوف أرتدى الحجاب."




أبتسم طاهر وقال: "عظيم."




سألته: "هل أنت سعيد بهذا؟"




قال: "سعيــــد جـــــداً."




قى هذه اللحظه ، سمعتُ صوت جلبه فى الخارج ، فنظرتُ إلى طاهر وسألته: "ما هذا؟"




هز طاهر كتفيه وقال: "لابد أنه عميل."




نهضتُ وقلتُ: "حسناً.. ساذهب لأستقباله."




حين وصلتُ إلى الصاله رأيتُ شاباً يقف على مقربه من مكتبى ، وحين أقتربتُ منه وتحققتتُ من ملامحه ، أكتشفتُ أنه هو نفسه ذلك الشخص الذى كاد أن يصدمنى بسيارته..



"صباح الخير."




نظرتُ فى ساعة الحائط ، فوجدتها الرابعه إلا رُبع ، أى صباح هذا؟!



قلتُ: "صباح الخير."




أبتسم الشاب وقال: "كيف حالك يا أنسه ساره؟"




قلتُ: "أنا بخير."





قال: "ألا تتذكرينى؟"




قلتُ: "بلى.. أتذكرك.. تفضل وأجلس"




جلس الشاب فوق أقرب مقعد ثم قال: "أريد مقابلة الأنسه......." وصمت!!




سألته بتردد: "أتقصد.. الأنسه نهله !؟"




أبتسم وقال: "بلى.. الأنسه نهله."





فى هذه اللحظه غادر طاهر حجرته وأتجه إلينا بخطوات واسعه ، وحين أقترب منا أنعقدا حاجباه فى شده وقال للشاب: "أهلاً.. تفضل.. ألست....؟"





أومأ الشاب برأسه إيجاباً ، فقال طاهر: "أذن.. تفضل معى فى مكتبى."





قال الشاب: "لكنى أريد الأنسه نهله."





قال طاهر بحزم: "الأنسه نهله متعبه قليلاً.. لذا فقد طلبت منى أن أتولى الأمر بنفسى.. تفضل معى بمكتبى."




وألتفت إلىّ متابعاً: "هل لا أعددتِ لنا فنجانين قهوه يا ساره ، إذا سمحتِ؟"




دلف الشاب مع طاهر إلى حجرته ، فأغلق طاهر الباب خلفه ، بينما ذهبتُ أنا لأعد لهما القهوه..



**********************


أنصرف هذا الـ عابد بعدما أتفقنا على أن أتولى له امور الضرائب ، فذهبتُ لأخبر نهله بهذا ، ولأخبرها أيضاً بأننى سأنصرف أنا وساره..



مررتُ على مكتب ساره فى طريقى لحجرة نهله ، فقلتُ لها: "أستعدى لنغادر."




وأتجهتُ نحو حجرة نهله ، وطرقتُ بابها ، فأتانى صوتها من خلف الباب وهى تقول: "أدخل."




فتحتُ الباب ورأيتُ نهله التى كانت تجلس خلف مكتبها ، وكانت تطالع ملف ما ، ألقت نهله نظره عابره علىّ ، ثم عادت لتطالع الملف قائله: "ما الأمر؟"




جلستُ على المقعد المقابل لها ، ثم قلتُ: "لقد أتى هذا الشاب."




نهله قالت بدون أن تنظر إلىّ: "من؟ أتقصد عابد؟"




قلتُ: "بلى."




نهله قالت بلا مبالاه: "عظيم."




قلتُ: "لقد سألنى عليكِ."




نهله عادت لتنظر إلىّ بقليل من الأهتمام ، فقلتُ: "لقد أخبرته بأنكِ متعبه قليلاً." وهززتُ كتفاى متابعاً: "لم أجد طريقه لأصرفه عنكِ سوى هذه."




فى هذه اللحظه أقبلت ساره حامله حقيبتها ، فنهضتُ من مكانى وقلتُ لها: "سننصرف الأن يا نهله."




نظرت نهله إلى ساره ، ثم عادت لتنظر إلىّ وسألتنى: "أليس باكراً على الأنصراف؟"




قلتُ: "رُبما كان الوقت مازال باكراً ، لكننى أنهيتُ عملى اليوم ، وكذلك ساره."




نهله قالت: "حسناً."




سألتها: "هل ستنصرفين؟"




قالت بسرعه: "كلا.. أنا سأبقى قليلاً."




قلتُ: "كما تريدين."



*******************


أوصلنى طاهر بسيارته إلى منزلى ، ففتحتُ باب الشقه بمفتاحى ، وما أن دلفتُ إليها حتى سمعتُ صوت بكاء زينه ، وكان يأتى من حجرة نوم أمى..



أتجهتُ نحو حجرة أمى ، ودلفتُ إليها ، فإذا بى أجد أمى مستلقاه على الأرض وغائبه عن الوعى ، بينما كانت زينه تبكى بجانبها..



أنتفضتُ بذعر ، ورميتُ حقيبتى جانباً ، وهرولتُ نحوها مفذوعه ، ثم جثوتُ على ركبتاى بجانبها ، وبجنون ما مثله جنون أخذتُ أهزها بقوه وأخاطبها..



"أمى.. أمى.. ماذا بكِ؟ أفيقى أرجوكِ.."



لكنها لم تفيق..




سالت دموعى على خدى ، وصرختُ بصوت أعلى: "أمى.. أجيبينى رجاءً."



ولا حياة لمن تنادى!



ضممتها إلى صدرى وقلتُ بهلع: "ماذا أصابك يا أمى؟ يا ألهى.. ماذا أفعل؟ كيف أتصرف؟"



كان صدرها يعلو ويهبط ، أذن فإنها لم تمت.. حمداً لله



لمحتُ بطرف عينى زجاجة ماء موضوعه على المنضده بجوار سرير أمى ، فهرولت نحوها كالغريق الذى يتعلق بالقشه ، وألتقطها بسرعه ، ثم رششتُ الماء على وجه أمى ، لكنها لم تستجيب..



أختلستُ النظر نحو زينه فوجدتها مازلت تبكى بحرقه..



نهضتُ من مكانى وتناولتُ حقيبتى بسرعه ، وأخذتُ أبحث بها عن هاتفى ، إلا أننى رأيتُ زجاجة العطر بحقيبتى فتناولتها ، وأخرجتُ من جيب سترتى محرماً ، وعدتُ لأجثو على ركبتاى بجانب أمى..




رششتُ القليل من العطر على المحرم ، وقربته من أنف أمى ؛ فإذا بها تفتح عينيها ببطئ ، قبل أن تعود لتغلق عينيها من جديد..




زينه كفت عن البكاء ، وأخذت تراقبنى ، بينما أخذتُ أقرب المنديل من أنف أمى من جديد قائله بهلع: "أمى.. أتسمعينى؟ أمى.. أجيبينى"




أمى فتحت عينيها من جديد ، وجالت ببصرها فيما حولها ، قبل أن تستقر نظراتها علىّ ، سألتها بلهفه: "أأنتِ بخير؟"




أمى نظرت إلىّ ولم تجيبنى ، فكررتُ سؤالى بلهفه أكثر: "أمى.. هل تسمعينى؟ ردى علىّ.. هل أنتِ بخير؟"




أغلقت أمى عينيها ، ولم تجيبنى ، فأصابنى الهلع عليها من جديد ، وصرختُ: "لا يا أمى.. ليس مجدداً.."




أمى فتحت عينينها ، وقالت بصوت واهن: "أنا بخير.. فقط.. أريد أن أنام."




قلتُ: "أذن ساعدينى لأضعكِ على السرير."




أمى قالت: "لا أستطيع."




قلتُ بتضرع: "رجاءً يا أمى حاولى.. أنا لن أستطيع أن أحملكِ."




مددتُ يدى لها لأساعدها ، فتحركت أمى ببطئ ، وأستندت علىّ ، حتى وصلت إلى السرير وأستلقت عليه..




نظرتُ إلى زينه ، فرأيتها تراقبنا ودموعها مازالت عالقه برموشها..




عدتُ لأنظر إلى أمى وسألتها: "ماذا حدث يا أمى؟"




أمى قالت: "لا شئ.. فقط شعرتُ بالدورا.. وأظلمت الدنيا فى عينى."




سألتها بقلق: "هل أستدعى الطبيب؟"





قالت: "كلا.. أنا بخير.."





قلتُ بأصرار: "لا تبدين بخير أبداً.. سأتصل بخالتى وأطلب منها أن تحضر الطبيب."





أمى قالت: "لا تزعجى خالتك يا ساره.. لقد أصبحتُ بخير.."




أعترضتُ وقلتُ: "لكن يا أمى.. أنا غير مطمئنه لهذا."




أمى قالت: "لا تقلقى.. لقد مررتُ بحاله مشابهه من قبل، وأخبرنى الطبيب أنه هبوط."




أمى عنيده جداً كما تعرفون ، ورغم أننى كنتُ قلقه جداً عليها ، إلا أننى لم أملك هذه المره أيضاً سوى الأذعان لرغباتها ، فقلتُ وأنا أهب واقفه: "كما تريدين."




أمى قالت: "خذى زينه معكِ.."




حملتُ زينه ، وغادرتُ حجرة أمى ، وتركتُ باب حجرتها مفتوحاً ، حتى يصل إلىّ صوتها إذا نادتنى ، ثم أمسكتُ بهاتفى وأتصلتُ بخالتى ، لأخبرها بأن أمى مريضه ، وبأننا لن نذهب إلى إيمان اليوم..


*************************

يتبع ان شاء الله


0 التعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك هنا

المتابعون