ღϠ₡ يــــا من سكـــن فؤادى ₡Ϡღ ..... الحلقة الثامنة والعشرون

Leave a Comment


فى حوالى الساعه الخامسه ، أستقليتُ أنا وطاهر سيارته فى طريقنا إلى منزلى..



كان طاهر يبدو سعيداً للغايه ، أما أنا فبقدر ما كنتُ سعيده ، بقدر ما كنتُ حزينه وأشعر بالخجل الشديد من نهله..



وكلما تذكرتُ نظرات نهله لى حين غادرتُ حجرة طاهر ، كلما أزداد شعورى بالخجل منها..



هل تظنون أنها سمعت ما قاله لى طاهر؟



طبعاً سمعته.. لقد كان الحزن جالياً على وجهها.. ومسيطراً على كل لمحه من ملامحها..



مسكينه نهله.. لابد أن صدمتها بذلك كانت عظيمه..



"ماذا يدور برأسى حبيبتى الأن يا تُرى؟"




أفقتُ من شرودى على صوت طاهر ، فألتفتتُ إليه وقلتُ مُبتسمه: "لا شئ."



لم أكن أريد أن أفسد عليه بهجته بأن أخبره بما حدث.. أو على الأقل ليس الأن..



كنا قد وصلنا إلى منزلى فألتفت طاهر إلىّ وقال: "سأفتقدكِ كثيراً."




أرتبكتُ وقلتُ: "أمممم.. أراك غداً."




طاهر أبتسم وقال: "أتمنى أن تأتينى غداً بخبر يثلج قلبى."




وكان يقصد طبعاً موافقة أمى على الخطبه..



وأضاف: "سنفاجئ هانى ونهله غداً."




أبتسمت بخجل وقلتُ: "إلى اللقاء."



وغادرتُ السياره بسرعه ، قبل أن أسمح لطاهر بأن يقول المزيد من هذا الكلام الذى يخجلنى كثيراً..



وفى المساء كانت أمى تجلس بالصاله تشاهد التليفاز..



وجدتها فرصه مناسبه لأن أتحدث معها بشأن طاهر ، فذهبتُ لأجلس بجانبها..



بقيتُ صامته لدقائق ، لا أعرف من أين أبدأ كلامى..



وأخيراً قلتُ: "أمى.. أريد أن أتحدث معكِ بأمر ما."




أمى ألقت نظره عابره علىّ ثم عادت لتنظر إلى شاشة التليفاز وسألتنى بلا مبالاه: "ما الأمر؟"




أخذتُ نفساً عميقاً وقلتُ: "طاهر.. المحاسب الذى أعمل لديه.. "




أمى قالت وهى لازالت تنظر للتليفاز بلا أكتراث: "ماذا به طاهر؟"




أبتلعتُ ريقى بصعوبه وقلتُ: "إنه... يريد أن... يأتى ليزورنا غداً."




أمى مدت يدها وألتقطت "الريموت" وأطفأت التليفاز ، ثم ألتفت إلىّ بأهتمام..



"خيراً يا ساره.. لماذا هذه الزياره الغير متوقعه؟ أهناك شئ؟"




أومأتُ برأسى إيجاباً ، وقلتُ متلعثمه: "بلى.. إنه يريد...... الزواج منى."




أمى أطالت النظر ، ثم قالت: "هل قلتِ أنه يريد الزواج منكِ؟"




أومأتُ برأسى إيجاباً ، وأنتظرتُ أن أرى وقع الخبر عليها ، فإذا بتعبيرات وجهها تتهلل فجأه ، ودموعها تتجمع فى عينيها..



"مبارك عليكِ يا حبيبتى.. أتم الله لكِ هذا الزواج على خير."



************************




أستيقظتُ فى صباح اليوم بمزاج لا يقل أبتهاجاً عن الأمس..



أخذتُ حماماً دافئاً ، وأرتديتُ ملابسى ، ثم وضعتُ القليل من مستحضرات التجميل ، وأخذتُ ألف الحجاب على رأسى وأنا أغنى..



" ما شاء الله .. تبدين مُبتهجه. "



توقفتُ عما أفعله وألتفتتُ نحو أمى التى دلفت إلى حجرتى لتوها وأبتسمت..



أنا لستُ مُبتهجه فقط.....



أنا أكاد أطير من فرط سعادتى..



وواثقه من أننى لو فردتُ زراعاى وحركتهما قليلاً سأطير وأحلق فى السماء !




" هل سيأتى طاهر اليوم ؟ "




سألتنى أمى فقلتُ:" طبعاً سيأتى.. "




أتسعت أبتسامة أمى وهى تقول: " أعتقد أن طاهر هذا شاب رائع. "




قلتُ أؤيدها بسرعه وبلا تفكير: " صدقتِ يا أمى .. إنه فعلاً شاب رائع جداً ، ومهذب جداً جداً ، وملتزم جداً جداً جداً.. "




وأنتبهتُ إلى تسرعى ولهفتى بعد فوات الأوان ، فوجدتُ أمى تحدق بى فى أستنكار ..




أحنيتُ رأسى نحو الأرض بخجل شديد ، وأنتظرتُ أن أسمع محاضره طويله عريضه من أمى ..



ولم يطل أنتظارى ، إذ أننى سمعت أمى تقول:


" إذا رأكِ طاهر وأنت تتحدثين عنه بمثل هذه اللهفه ، قد يهرب منكِ ولا يريكِ وجهه إلى الأبد .. كونى فتاه عاقله ومتزنه حتى لا يظنكِ بلهاء. "




ضحكتُ وقلتُ مازحه: " حسناً.. سأكون فتاه عاقله كى لا يهرب منى. "




كنتُ قد أنتهيتُ من ضبط الحجاب على رأسى ، فقلتُ لأمى: " سأنصرف الأن. "




أمى نظرت إلى الساعه المعلقه على الحائط بحجرتى وقالت: " أليس باكراً جداً ؟ "




قلتُ: " لا .. ليس باكراً ؛ فأنا لن أذهب إلى المكتب مباشرة ، انما سأذهب أولاً إلى المستشفى ؛ فاليوم ستظهر نتائج التحليل .. "



أمى تأففت وقالت: " أمازلتِ مُصره على الذهاب لمعرفة نتائج التحليل ؟ "



قلتُ: " طبعاً مُصره. "



أمى قالت: " لكنى بخير أمامكِ .. "



أبتسمتُ وقلتُ: " الحمد لله .. لكنى أريد للأطمئنان أيضاً. "



أمى قالت بأستياء: " يا لك من عنيده ! لقد ورثت هذا العناد من والدكِ رحمه الله .. أمل ألا تصير زينه عنيده مثلك. "



أبتسمت وقلتٌُ: " بل ستصير أشد عناداً منى .. ألا ترين كم أنها عنيده وصعبة المراس منذ الأن ؟ "



أمى مطت شفتيها بقلة حيله ، فأنحنيتُ لأطبع قبله سريعه على وجنتيها ، قبل أن أغادر ، وأذهب إلى المستشفى ..




***********




ألتفت عائلتى حول مائده الطعام فى الصباح ، ورغم أننى لم أكن معتاد على مشاركتهم طعام الأفطار ، إلا أننى اليوم جلستُ معهم ، تمهيداً لما بعد ..



أبى تعجب حين رأنى أنضم إليهم وقالت: " هل ستشاركنا الأفطار اليوم ؟ "



وعمرو قال: " يبدو أن اليوم هو يوم العيد ونحن لا ندرى. "



قلتُ مازحاً: " لا .. اليوم ليس العيد .. لكننى أشعر برغبه عارمه فى ألتهام كل هذا الطعام الذى أمامى. "



أمى أبتسمت وقالت: " بالهناء والعافيه بُنى. "



بينما عمرو فقال مازحاً: " أذن .. دعونى أخبأ حصتى من الطعام ، قبل أن يلتهما الوحش. "



وكالعاده بدأت نورا فى الضحك على كلام عمرو ، أما أنا فبدأتُ فى الأكل وتركت مهمه الرد على عمرو لأمى التى قالت تلومه: " قل ما شاء الله. "



عمرو مط شفتيه وقال: " لا تخافى عليه .. إن الحسد لا يعرف طريقه إلى أبنكِ. "



أمى صوبت نظره حاده نحو عمرو ، فأستطرد عمرو قائلاً: " حسناً .. حسناً .. سألزم الصمت تماماً. "



ووضع يده على فمه تأكيداً لذلك !



حين أنتهينا من تناول طعامنا ذهبت أمى لتعد لنا الشاى ، فجلسنا نحتسيه فى هدوء ..



كان أبى يجلس فى مقابلى وبجانبه نورا ، أما أمى فكانت تجلس بجوارى ، وعمرو يجلس وحده على مقعد مُنفصل ..



وجدتها فرصه مناسبه جداً لأن أخبرهم عنى وعن ساره ..



قطعاً سيذهلون لهذا الخبر ، إلا أن سعادتهم بهذا ستكون أشد ، وخاصة أمى !



أخذتُ نفساً عميقاً ، وقلتُ: " هناك ما أريد أخباركم به. "



الجميع ألتفت نحوى ، وأخذوا ينظرون نحوى بتساؤل..



صمتتُ قليلاً للتشويق ، ثم قلتُ بغموض: " لقد قررتُ أخيراً أن أحقق لأمى رغبتها. "



أمى عقدت حاجبيها بشده ، وقلبت كفيها بحيره ثم قالت: " أى رغبه ؟ عن أى شئ تتحدث ؟ "




قلتُ: " عن زواجى. "




نظرتُ فى وجوههم جميعاً ، كانت الدهشه مسيطره على كل لمحه من ملامحهم !




ضحكتُ وقلتُ:" ماذا دهاكم ؟ لقد قلتُ أننى أنوى الزواج ، ولم أقل أننى أنوى أن أقتل قتيل. "




أبى قال وعلامات الدهشه مازلت مُرتسمه على وجهه:


" أتمه الله لك على خير يا بُنى. "




بينما أمى فقالت:" دعونا نعرف أولاً من هى تلك التى قرر أن يتزوجها. "




نورا قالت: " طبعاً نهله .. "




صوبت نظره حاده لنورا ، أوه يا سليطه اللسان ..



سأعاقبكِ على تكهناتك السخيفه تلك فيما بعد ..




أمى هزت رأسها نافيه وقالت: " لا أعتقد أنها نهله. "




عمرو قال بنفاذ صبر:" بالله عليك يا أخى أخبرنا من هى تلك التى أستطاعت أن توقع بك ؟ "




صمتتُ قليلاً ، ثم قلتُ: " ساره. "




لم يبد عليهم جميعاً أنهم قد عرفوا من تكون ساره..



طبعاً عدا عمرو الذى أخذ يغمز لى بعينه !




أبى سألنى: " ومن هى ساره ؟ "




أجبتُ: " إنها سكرتيرتى .. أعتقد أنكم تعرفونها جميعاً. "




أمى تهلل وجهها فجأه وقالت:" أهى تلك الفتاه التى حضرت عيد ميلاد نورا ؟ ما أجملها ! "




وأبى قال: " مبارك عليك بُنى. "




عظيم جداً.. والأن لم تبق سوى رأى نورا..




نظرتُ إلى نورا فإذا بها تقول: " أظن أنها فى مثل عمرى أليس كذلك ؟ "




قلتُ مازحاً: " طبعاً لا .. وهل تظنين أننى سأتزوج من طفله صغيره فى مثل عمركِ ؟ "




نورا وضعت يديها على وسطها وقالت مُعترضه: " أنا لست طفله. "




وضحكنا جميعاً على موقفها الطفولى البرئ..



كنتُ قد أنتهيتُ من تناول الشاى فوضعتُ الكوب بالصينيه ، ونهضتُ قائلاً: " أذن .. أستعدوا اليوم لنذهب لخطبتها. "




أمى قالت بدهشه: " اليوم .. بهذه السرعه ؟ "




قلتُ:" بلى .. اليوم .. ولم التأجيل ؟ "




أمى أبتسمت وقالت:" كنتُ واثقه من أن أحدى الفتيات ستوقع بك قريباً."





أبتسمت وقلتُ:" ولما لا تقولين أن أبنكِ هو من أوقع بها فى شباكه؟ "




أمى ضحكت وقالت:" لا يهم إن كانت قد أوقعت بك ، أو كنت قد أوقعت بها، المهم هو أنك أخيراً ستتزوج .. "




*************

بعدما غادرتُ حجرة الطبيب ، بقيتُ واقفه مُسمره بمكانى للحظات طويله ..أشعر بالضعف فى كل أجزاء جسدى ..وبدأ بالشلل يزحف إلى جميع عضلاتى ، ويعوق حركتى تماماً ..وتشقق قلبى ليندفع منه النزيف بغزاره ..أخذتُ أحثُ قدماى المثقلتان على السير لكن بلا جدوى ..لم أعد قادره على السير ، بل ولم أعد قادره حتى على تحريك أحد أصابعى ..وكان جسدى بأكمله يرتجف ويهتز أنفعالاً .


.وبدأت الدموع تتجمع فى عينى وتنزلق على خدى واحده تلو الأخرى ..أقتربت منى إحدى السيدات المُسنات تربت على ظهرى بعطف ، وتحاول تهدأتى ..أما أنا فلم أنظر حتى إليها .." لماذا تبكين يا حبيبتى ؟ "سألتنى السيده ، فألتفتتُ نحوها ، وألقيتُ عليها نظره عابره ، قبل أن أتركها وأبتعد عنها دون أن أنطق بكلمه واحده ، وأنا أجر قدماى جراً ..ألقيتُ نظره يائسه على نتائج التحاليل ، وأكملتُ سيرى ببطئ شديد ..كنتُ أتلفت يمنه ويسره أثناء سيرى بعدم أتزان ، وبذهول ..وأشرت لأول سياره أجره مرت بجانبى ،


ودلفتُ إليها ..لم تكن المستشفى تبعد كثيراً عن المكتب ، لذا فلم تمض دقيقتان إلا وكنتُ قد وصلتُ إلى المكتب ..وهناك.. ألقيتُ جسدى فوق أقرب مقعد وأجهشتُ فى بكاءٍ مرير ، ومؤلم ..يارب.. ألهمنى الصبر ، وأجرنى فى مصيبتى ..ولا حول ولا قوة إلا بالله .

.*********************



كنتُ جالساً خلف مكتبى أراجع بعض الملفات التى أنتهيتُ من كتابتها ، حين ألتقطت أذنى صوت بكاء ونحيب يأتى من الصاله !



تعجبتُ ، فقد كنتُ أول من حضر اليوم ، فلم يحضر طاهر بعد ولا نهله ولا ساره أيضاً ..



نهضتُ من مكانى وذهبتُ لأستطلع الأمر ..



حين دلفتُ إلى الصاله رأيتُ فتاه تجلس على إحدى المقاعد الأسفنجيه ، وقد دفنت وجهها بين كفيها وأجهشتُ فى البكاء !




من حجابها أستنتجت أنها ساره ؛ لأنها قد أرتدت الحجاب مؤخراً ..




أقتربتُ منها قليلاً وقلتُ: " ساره ! ما الأمر ؟ ! "




أنتفض جسد ساره بشده ، وأبعدت يديها عن وجهها ، ونظرت إلىّ بفزع ..




قلتُ: " هل أفزعتك ؟ أنا أسف. "





ساره أحنت رأسها نحو الأرض وصمتت إلا عن صوت نحيبها الذى كان يخترق أذنى ويمزق نياط قلبى ..




لم أحتمل أن أراها هكذا ، فذهبتُ لأجلس فى مقابلها ، وسألتها: " ما بكِ ؟ لماذا تبكين ؟ "




ساره رفعت بصرها إلىّ ، وتقوست شفتاها إلى الأسفل ، وأندفعت الدموع من عينيها بغزاره ..




" لا تبكى يا ساره رجاءً. "




إلا أن ساره بدلاً من التوقف عن البكاء ، فقد زادت فيه ..




أقتربتُ لأجلس بجوارها على المقعد الكبير ، وعدتُ لأسألها: " ما الأمر ؟ أهناك شئ ؟ "




ولم ترد ساره ، فتفاقم قلقى عليها وقلتُ: " لا توقعى بقلبى أكثر من هذا يا ساره وأخبرينى ما الأمر ؟ "




ساره رفعت بصرها إلىّ ، وكادت تنطق بشئ ما ، إلا أن نهله قد أقبلت فى هذه اللحظه ، ولما رأت ساره على هذا الحال أسرعت إليها قائله:" ما الأمر ؟ لماذا تبكين ؟ "



ذهبتُ لأجلس فى مقابل ساره ، مُفسحاً بذلك المجال لنهله بالجلوس بجوار ساره ..



أما ساره فقد فتحت فمها ، وقالت عدة كلمات ، إلا أن صوتها خرج نحيب غير مفهوم ؛ فلم يستطع أحدنا تمييز حرف واحد مما قالته !




ألتفتت نهله نحوى وقالت تخاطبنى: " ماذا بها يا هانى ؟ أخبرنى أنت. "




هززتُ كتفاى وقلتُ: " لم أعرف بعد .. إنها لا تستطيع التحدث. "




ألتفتت نهله نحو ساره وقالت تخاطبها: " هل أتى لكِ بكوب ماء ؟ "




ساره أومأت برأسها إيجاباً ، فذهبت نهله مُسرعه إلى المطبخ ، وأحضرتُ لها كوب ماء ، ثم عادت به إليها ..




أمسكت ساره بالكوب وتجرعته كاملاً ، وحين أنتهت منه تناولت الكوب لأضعه على المنضده وسألتها: " أخبرينا ما الأمر ؟ "




ونظرتُ أنا ونهله إلى ساره فى أنتظار أجابتها ..




أخيراً حركت ساره شفتيها ، وقالت بصوت بالكاد ألتقطته أذنى: " أم .. أمى .. "




وتوقفت ساره لتلقط أنفاسها ، فقالت نهله تحثها على المتابعه: " ما بها ؟ "




ساره قالت بصوت اقرب إلى النحيب: " علمت اليوم أنها مصابه بسرطان الدم. "




أنهت ساره جُملتها وعادت لتخفى وجهها بين كفيها ، وتجهش فى البكاء من جديد ..




لم أعرف ماذا أقول لها ؟ وأى كلمات تلك التى ممكن أن تواسيها فى شئ كهذا ؟



وتبادلتُ نظرات حزينه مع نهله ، قبل أن تربت نهله على ظهر ظهر ساره بعطف ، وهى تقول:


" لا تحزنى يا ساره .. بإذن الله ستتعافى والدتكِ وتصير بخير. "




ساره أبعدت كفيها عن وجهها وسألت نهله متشبثه بالأمل: " هل ستتعافى ؟ "




نهله قالت مؤكده: " أجل .. بإذن الله .. إنه قادر على كل شئ. "




ساره صمتت قليلاً ، ثم قالت بصوت مرتعش:


" أنا خائفه جداً .. لن أحتمل أن يصيب أمى مكروه لا قدر الله .. أنا ليس لى سواها بهذه الدنيا ، ولن أقوى على العيش بدونها .. "




نهله قالت: " لا قدر الله .. بإذن الله لن يصيبها مكروه ، أستبشرى خيراً يا ساره. "




ساره عادت لتحنى رأسها نحو الأرض وصمتت تماماً إلا عن صوت نحيبها الذى كان يشق جدار الصمت من حين لأخر ..




تأملتُ ساره التى تجلس بجانبى حزينه ، وشعرتُ بالأسى من أجل هذه الفتاه التى فقدت أباها منذ عدة سنوات ، والله أعلم بما سيصيب والدتها ؛ فإن هذا المرض لا يرحم ، ولا يترك مريضه إلا بعدما تواريه الرمال .. إلا فى حالات نادره وقليله ..




ساره رفعت رأسها قليلاً وقالت مخاطبه نهله: " هل لى بأخذ أجازه اليوم ؟ "




نهله قالت: " طبعاً. "




ساره قالت: " شكراً لكِ.. "




وهبت واقفه ، إلا أننى أستوقفتها متسائلاً بقلق: " ولكن ... إلى أين ستذهبين ؟ "




ساره قلبت كفيها بحيره وقالت: " لا أدرى .. رُبما أذهب لأبنة خالتى .. "




قلتُ: " حسناً .. أنتبهى لنفسكِ يا ساره. "




ساره نظرت إلى بأمتنان وقالت: " شكراً لكما. "




وولتنا ظهرها ، وأنصرفت ..




********************

أتصلت بى ساره منذ قليل وأخبرتنى أنها فى طريقها إلىّ..



كم أنا مشتاقه إليها ، وإلى خالتى !



إننى منذ تزوجت لم أراهما ، فقد تدهورت صحة أم ساره فى الأيام الماضيه كثيراً..



أتمنى أن تشفى قريباً..



بعد دقائق من أتصال ساره ، سمعتُ طرقاً على باب شقتى ، فذهبتُ لأفتح الباب..




حين طالعنى وجه ساره أدركنى الرعب ، وأصابنى الهلع ؛ فقد كانت عيناها مُحمرتان وجفونها متورمه ، وبعض الدموع عالقه برموشها ، أما وجهها فأصفر وشاحب !




"ساره ! يا ألهى.. ما بكِ؟"




عضت ساره على شفتها السفلى بأسى ولم ترد..




أدخلتها إلى الشقه ، وأجلستها على أقرب مقعد ، وأخذتُ أربت على ظهرها ، فإذا بها تجهش فى البكاء!




يا ألهى.. ماذا حدث؟




"ساره.. أوقعتى قلبى أرضاً.. أخبرينى ما الأمر؟"



ساره نظرت إلىّ من بين دموعها ، وقالت بصوت مُرتعش: "أمى يا إيمان."




تجمدتُ فى مكانى ، وأنحبست أنفاسى بذعر ، ورفعتُ يدى بحركه تلقائيه لأضعها فوق قلبى..



"ما بها خالتى يا ساره؟"




ساره قالت بصوت يحمل كل الحزن والأسى: "لديها سرطان بالدم."




شهقتُ بذعر ، وسرعان ما تجمعت الدموع بعينى أنا الأخرى ، وأنخرطنا سوياً فى بكاءٍ مرير..




ساره قالت من بين أناتها ، وبكاءها: "ماذا سأقول لأمى؟ كيف سأخبرها بهذا؟"




سألتها: "ألا تعرف؟ ألم تخبريها؟"




ساره قالت: "لقد عرفت بمرضها منذ قليل."




قلتُ بحسم: "أذن لا تخبريها بأى شئ.. الصدمه رُبما تقتلها."



وصمتتُ قليلاً ثم قلتُ: "سأبدل ملابسى حالاً لنذهب إليها."


*********************



وصلتُ إلى المكتب متأخراً ، ولدهشتى لم أجد ساره جالسه خلف مكبتها..



خمنت أن تكون فى المطبخ تعد القهوه ، فذهبتُ إلى المطبخ وأيضاً لم أجدها..



غريب هذا الأمر.. أمعقول ألا تكون قد أتت اليوم؟



أنتابنى القلق عليها ، فذهبتُ لنهله لأسألها عن ساره ، رُبما كانت تعرف شيئاً عنها.. رُبما..



حين دلفت إلى الحجره ، ألقيتُ التحيه على نهله ، ولم أنتظر حتى ترد تحيتى ، فبادرتها قائلاً: "ألم تأتى ساره اليوم؟"




نهله قالت: "بل أتت وأنصرفت منذ قليل."




تفاقم قلقى عليها أكثر وأكثر بعد سماع إجابة نهله ، فسألتها: "ولماذا أنصرفت؟"




نهله أطرقت برأسها بأسى ، ثم قالت: "أمها مريضه."




سألتها بقلق: "ما بها؟"




نهله تنهدت وقالت: "لديها سرطان بالدم."




أغلقتُ عينى بقوه لدى سماعى لجُملة نهله وأنحبس النفس الأخير بصدرى..



"يا ألهى.."




كانت هذه هى الكلمه الوحيده التى أستطعتُ أن أنطق بها وسط ذهولى ، وحزنى..




وظللتُ صامتاً للحظات قبل أن أعود لأسأل نهله: "وكيف حال ساره؟"




نهله قالت:"طبعاً منهاره.. لا تكاد تصدق ما هى فيه.. مسكينه ساره.. مرض والدتها ليس هين أبداً.."




وصمتت قليلاً ثم قالت: "أسأل الله أن يشفي والدتها ، ويشفى مرضى المسلمين جميعاً."




قلتُ: "آمين."




نهله قالت: "هون عليك.. بإذن الله ستشفى والدة ساره قريباً."



قلتُ: "بإذن الله."



وكدتُ أنصرف عائداً إلى حجرتى ، لولا أن قالت نهله: "أجلس قليلاً يا طاهر."




رميتُ جسدى المُخدر من الصدمه على أقرب مقعد ، فقالت نهله: "هل أحضر لك كوب ماء؟"




قلتُ: "بلى.. من فضلكِ."




نهله ذهبتُ إلى المطبخ وعادت بعد قليل حامله قارورة ماء وكوب فارغ ، وهمت بسكب الماء فى الكوب ، إلا أننى تناولت القاروره منها وقربتها من فمى ، وأفرغتُ معظمها بجوفى ؛ فقد جف حلقى من الصدمه..



وإذا كانت هذه هى حالتى أنا.. فما بالكم بساره الأن!



ساره..



لابد أن أتصل بها الأن لأطمئن عليها..



ونهضتُ من مكانى هاماً الذهاب إلى حجرتى..



أستوقفتنى نهله قائله: "إلى أين؟"




قلتُ: "سأذهب لحجرتى."




نهله قالت: "لكن.. كنتُ أريد التحدث إليك بأمر ما."




قلتُ: "حسناً.. سأذهب لدقائق وأعود لنتحدث."


أرتفع رنين هاتفى بينما كانت إيمان تبدل ملابسها..



أخرجتُ هاتفى المحمول من حقيبتى ، ونظرتُ به لأجد أن المتصل لم يكن سوى طاهر..



أخذتُ نفساً ، وأجبت على الأتصال..





0 التعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك هنا

المتابعون