لا يخفى على أحد منا ما للرضاعة الطبيعية من أهمية
فحليب الأم منتج طازج جاهز يحتوي على مضادات حيوية
من الأم تحارب الإصابة بالعدوى وتدعم جهاز الطفل المناعي
غير المكتمل بجهاز مناعة أمه المكتمل.
ومن هنا تبرز أهميّة الرضاعة الطبيعية ووجوب الإصرار عليها
ومحاربة كل المزاعم التي تمنعها مثل قلة حليب الأم،
فتدفق حليب الأم أمر طبيعي بعد الولادة والتحكم بدرجة تدفقه
تحققها درجة جوع الطفل ورغبته وقوته في الرضاعة.
وتقديم وجبات مساندة له من الحليب الصناعي
يؤثر على إقباله على حليب أمه وإصراره على إشباع نفسه منه.
وحليب الأم يتغيّر حسب كميّة رضاعة الطفل
وحسب احتياجات الطفل العمرية من العناصر الغذائية.
والخصائص الكيميائية المحددة لحليب الأم غير معروفة حتى الآن.
أما حليب غير الأم وإرضاع الطفل في بداياته منه
وحرمانه من حليب أمه الطبيعي يسبب في نمو غير متكامل للطفل
جسمانياً وعقلياً وسلوكياً ويؤثر في المكتسب
من الذكاء والفطنة والشعور والنمو.
وقد ذكر كثير من العلماء والباحثين أن عملية الرضاعة فيها
بالإضافة إلى الغذاء المميز , الحضن الدافئ
ولغة الجسم من نظرات وابتسامات
وحرارة ودقات القلب والرائحة والحركات والصوت
والكلام وتدريب حاسة السمع والهدوء والانفعال
والملمس والشعور بالأمان والاطمئنان والاحتواء
والتأرجح وتحريكه من وضع إلى آخر والأهازيج
والأغاني والمداعبة والملاطفة والوضع والحمل
والربت والتمييز ويكون في بداياته بمثابة مرحلة انتقالية
من الاحتواء الكلي أثناء الحمل داخل الجسم إلى الاحتواء الجزئي
بعد الخروج إلى عالم جديد يختلف عن عالمه الذي عاصره
وعايشه في فترات التكوين والنمو الأولى فيسهم ذل
في تخفيف غربته وقدومه لعالم مغاير لم يره من قبل .
وفي الرضاعة الطبيعية فائدة عظيمة للأم في سلامتها
واستعادة عافيتها بعد الولادة وتخلص الجسم من الحليب
والإفرازات عندها يكون أمراً ضرورياً وملحاً
ويعافي من الكثير من الأوجاع والأمراض .
كل هذا يضاف إليه الجانب الاقتصادي والتوفير في كل جوانب الرضاعة الصناعية
من حليب ونشأ وما يتبعه من أدوات ومعدات والراحة من التجهي
ز والتحضير فالطعام دائماً جاهز وكلما أراد الرضيع .
لو اتفقنا في كل ما ذُكر لعرفنا واستنتجنا وفهمنا مرد وسبب الكثير
مما نعاني منه جيلاً بعد جيل في الجانب السلوكي والانفعالي
والجانب العقلي والذكاء والجانب الجسماني والصحة البدنية .
حليب أطفالنا ومواليدنا اليوم هو حليب الماعز والأغنام والأبقار !
حليب الأبناء يقدم لهم في قناني بلاستيكيه بأحجام وألوان وأشكال متنوعة
ومواصفات مختلفة ومتعددة وأثداء ومصاصات من المطاط
المتباينة في اللين والانسياب والإدرار والرائحة والنكهة والأحجام !
حليب الأطفال يقدم بدرجات حرارة متنوعة وغير موحدة
وبجاهزية غير مؤكدة من حيث الطهي والنضوج والغليان
والتحضير والصلاحية والطعم والذوبان بخلاف حليب الأم الطبيعي
الذي يستوفي كل ذلك .
يتأثر ويتغير حليب الأم الطبيعي في ما لو لم يقدم مباشرة للطفل
ويفقد الكثير من خواصه وخصائصه وهذا مما يجعلنا نعي
ونعرف مدى أهمية الرضاعة الطبيعية المباشرة .
يتأثر الطفل بحليب الأم الناتج عن الغذاء الذي تتناوله أمه
وكثيراً ما يصاب باضطرابات كالإسهال أو الانتفاخ
أو الآم البطن نتيجة تناولها لمأكولات معينة تنتقل تأثيراتها
إلى الطفل بالرضاعة من أمه وهذا أيضاً ينطبق على الحليب
الغير طبيعي الناتج عن التغذية المقدمة للحيوانات
مما يؤكد مدى التأثر والتفاعل في ذلك .
حليب الأطفال اليوم هو حليب رباني يتناسب ويتناسق
في ما بين الأم وابنها ويتلاءم بصفاته ومحتوياته للمواليد
من نفس النوع ولهذا لا نرى الغنم يرضع من البقر
ولا البقر من الإبل ولا الماعز من الغنم إلا إذا قمنا
بتحضيره لها كما نحضر حليبها لمواليد الإنسانية والبشر
أو في الحالات الاستثنائية الشاذة والنادرة.
في الحليب سحر عجيب وسر رهيب وغذاء متكامل لكن عمر
ه قصير ويتأثر بسرعة بالجراثيم والميكروبات ويفقد من مكوناته
بالحفظ والتبريد والتسخين والتخزين والتجفيف .
إن ما نقدمه للرضع من الأطفال من حليب الحيوانات في سنيهم
الأولى يؤثر عليهم في صحتهم الجسمانية والذهنية والنفسية
ويحرمهم من صفاتهم الإنسانية الصافية ويخلط معها الكثير
من الصفات الحيوانية ولهذا نرى العديد من المناظر والمواقف
والسلوكيات التي تتشابه ما بين العجل والطفل ناهيك عن حرمانه
وافتقاده للحنان والدفء العاطفي والمحبة والنمو في جو من
الاطمئنان والتواصل وافتقاده للأساسيات في التطور
والتي عليها أكبر المعول في سنوات النشأة الأولى
والتي سيكون لها الأثر في تكوين شخصيته في ما بعد !
من هنا كان الحمل والإرضاع والفطام والحث عليه
وتحديد مدته في ما ورد في القرآن الكريم ……
قال تعالى :- (حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين …)
( 14– سورة لقمان )
وقال تعالى :- (حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )
( 15– الأحقاف )
والمقصود بكلمة فصاله أي انتهاء ارتباطه بأمه بمعنى
الارتباط بالتغذية أي انفصاله عنها وبالتأكيد يظل في حاجته
لها في الجوانب الحياتية الأخرى بعد الفطام وهذا مما يؤكد
أهمية الرضاعة الطبيعية , ولما قرن الحمل بالفصال
في الآية الثانية فقد أكد أن الرضاعة هي مرحلة حمل خارج البطن
ومرحلة اكتمال ونمو وهي مرحلة انتقالية فيها التنشئة والتهيئة
والإعداد للحياة .
وقوله تعالى :- ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى )
( 6- الطلاق ).
وقوله تعالى :- ( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم )
( 233- البقرة).
وقوله تعالى :- ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن
أراد أن يتم الرضاعة) (233- البقرة).
وقال :- ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وإخوانكم في الرضاعة )
( 23- النساء).
وفي ذلك كله تبيان لأهمية المرضعة وهي بدرجة الأم
إن لم تكن الأم والأخوة في الرضاعة وما يترتب عليها من
صلة وقربى وتحريم .
ولماذا نستغرب من أمراض ومن عنف وجنوح
ومن تخلف ومن ضعف وصعوبات تعليمية واهتزازات
في الشخصية وصعوبة في التأقلم في البيئة طالما أن الأمهات
تركت أدوارها ووظائفها وضربت بالرضاعة الطبيعية
عرض الحائط واختارت لأبنائها مرضعات من الزجاج
والمطاط والبلاستيك وحليباً مصدره الأبقار
والأغنام والماعـز ومصنعاً وممزوجاً بالماء والمواد الحافظة
وربما مواد أخرى ضارة ومحفوظاً في علب من الكرتون
وأكياس من البلاستيك ولا يعلم حقيقته وتأثيراته
ومصدره وتاريخه وأصله وفصله إلا الله !.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا