الحلقة الخامسة عشر
ღϠ₡ يــــا من سكـــن فؤادى ₡Ϡღ
=====================
حين عدتُ إلى المكتب كان بابه مازال مفتوح على مصرعيه.. دلفتُ إلى الصاله فوجدتُ نهله واقفه عند باب حجرتى وموليه ظهرها لى وكانت تبكى وتنتحب!!
رق قلبى لها حين رأيتها تبكى بمثل هذه الحُرقه ، فأقتربتُ منها وكدتُ أربت على كتفيها لولا أنها أستدارت فجأه لتواجهنى..
أنتفض جسدها النحيف بعنف قبل أن تتراجع إلى الخلف بضع خطوات لتلتصق بالحائط وقد أرتسم الذعر على كل لمحه من ملامحها !
هل أبدو لكم مُرعباً إلى هذا الحد؟!
"أنت هنا!! لقد ظننتك... أقصد.. ألم تكن بداخل حجرتك؟!"
كانت نهله هى من بادرت بالحديث فقالت جُملتها السابقه وهى لا تزال ملتصقه بالحائط إلا أنها كانت قد بدأت تهدأ قليلاً..
أومأتُ برأسى إيجاباً وقلتُ زاعماً: "لقد ذهبتُ لأشترى شيئاً وعدتُ.. هل هناك شئ؟"
ظلت نهله صامته للحظات قبل أن تحسم أمرها وتقول: "بلى.. كنتُ أريد أن أخبرك بأننى سأنصرف."
نظرتُ إلى ساعتى ، كانت عقارب الساعه تشير إلى الثالثه ونصف ، سألتها: "أليس باكراً على الأنصراف؟"
هزت نهله رأسها نافيه ثم قالت: "لا أقصد أن أنصرف الأن فحسب ، كنتُ أقصد أننى......."
ولم تتم جُملتها ، كانت تبدو متردده وخائفه ، سألتها: "ماذا تقصدين؟"
تنهدت وقالت: "أقصد أننى...... سأترك العمل."
تفاجأتُ ، وقلتُ: "تتركين العمل!! ولماذا تتركين العمل؟"
لم تجيب ؛ فقد أطل المعنى من عينيها واضحاً رغم أمتزاجه بالدموع.. يبدو أننى أسأتُ إليها أكثر مما تصورتُ..
قلتُ لها بسرعه: "أرجوكِ يا نهله.. لا تبكى."
تساقطت دموع نهله على وجنتيها قبل أن أتم جُملتى.. وهنا لم أتمالك نفسى فأقتربتُ منها لأربت على كتفيها قائلاً:
"كفى بالله عليك.. أنا لا أتحمل رؤية الدموع."
رفعت نهله بصرها إلىّ وقالت بصوت مرتعش: "دموعى لم تكن تؤثر بك من قبل..لقد كنت تطالبنى بتجفيف دموعى بمنتهى القسوه."
عادت بى الذاكره إلى يوم حفل عيد ميلاد شقيقتى الصغرى..
بالطبع مازلتم تتذكرون أننى فى ذلك اليوم طالبتُ نهله بتجفيف دموعها وقلتُ لها أن دموعها ما عادت تؤثر بى..
يبدو أننى كنتُ قاسياً مع نهله أكثر مما تصورت..
"لماذا تتعمد أهانتى يا طاهر؟ لماذا تسئ إلىّ بهذه الطريقه؟ إننى برغم كل شئ أبنة خالك.. وإذا كنتُ قد أخطأتُ فى حقك يوماً ما ؛ فقد نلتُ من الندم ما يكفى ، وقد نلتُ من الأساءه منك ما يكفى ويزيد."
قالت نهله جُملتها وهى تبكى بحرقه.. ليتنى ما تسببتُ لها بكلِ هذا الألم ، وبكلِ هذه الدموع..
"أنا لم أقصد ما فهمته يا طاهر.. ما كنتُ لأقوم بتهديدك أبداً.. ما كان يجب أن تسئ الظن بى هكذا."
نظرتُ إلى نهله بعمق لم يسبق لى أن نظرتُ لها بمثله من قبل ، وشعرتُ حينئذ بصدقها..
"ألا تصدقنى؟ أقسم أننى ما كنتُ أقصد ما فهمته أبداً."
قالت نهله جُملتها السابقه بمزيج من الحزن والأسى ، ورُبما كانت ستعاود البكاء لو أننى أنتظرتُ قليلاً ، إلا أننى قلتُ لها بسرعه:
"أننى أصدقك يا نهله."
ما كدتُ أنهى جُملتى حتى لمحتُ إبتسامه صغيره تشق طريقها إلى ثغر نهله فى حين كانت دموعها لا تزال عالقه برموشها..
قلتُ لها: "جففى دموعك ؛ فلا مجال للدموع بجانب هذه الأبتسامه الجميله."
*******************
بدلاً من أن تطلب منى أن أجفف دموعى كان الأجدر بك أن تجفف لى دموعى بنفسك..
ألا تعرف كم أنا متشوقه للمسة يديك؟!
ألا تدرى كم أنا مغرمه بك؟!
ليتك تشعر بى يا طاهر.. بل ليت حبى لك يجد له صدى فى قلبك..
"هيا يا نهله جففى دموعك."
مسحتُ دموعى وأختلستُ النظر إلى طاهر ، ولدهشتى وجدته يبتسم !
آه يا طاهر لو تعرف كم أشتقتُ لتلك الأبتسامه.. لو تعرف كم أعشق أبتسامتك كما أعشق كل شئ فيك..
"لا أريد أن أرى دموعكِ مره ثانيه يا نهله."
قال طاهر الجُمله السابقه فقلتُ له: "لن تراها.. لن يكون هناك مجال لذلك ؛ فأنا سأترك العمل على أى حال."
عقد طاهر حاجبيه بشده وقال فى أستنكار: "أى هراء هذا يا نهله؟ ولماذا تتركين العمل؟"
قلتُ: "أعتقد أن هذه هى رغبتك يا طاهر."
هز طاهر كتفيه قائلاً: "لا تقولى هذا.. أنتِ أبنة خالى ومثل شقيقتى."
لا يا طاهر.. لا تردد على أذنى هذا الكلام الذى أحفظه عن ظهر قلب..
لا تذكرنى بأن مشاعرك نحوى قد ماتت ووارتها الرمال..
لا تجرحنى وتذكرنى بأننى لا أعنى لك شئ.. ولا تقتلنى وتذكرنى بأن ساره تعنى لك كل شئ..
دعنى أحيا على أمل أن نعود من جديد.. ولا تقطع أملى هكذا بمنتهى القسوه ؛ لأننى سأموت إذا أنقطع الأمل نهائياً فى عودتنا..
أقسم أننى سأموت وستكون أنت السبب فى ذلك..
"هيا أذهبى إلى مكتبك وواصلى عملك."
أنتزعنى طاهر من افكارى حين قال العباره السابفه ، أذعنتُ لرغباته وأتجهتُ نحو حجرتى وبينما كنتُ فى طريقى إليها سمعتُ طاهر يقول:
"لا أريد أن أسمع منك هذا الكلام مره ثانيه يا نهله.. أتفقنا؟"
ألتفتتُ إليه وقلتُ: "أتفقنا."
************************
أتصل بى طاهر منذ دقائق وأخبرنى بأنه فى أنتظارى أمام منزلى.. كنتُ قد أنتهيتُ من كل شئ إلا أننى تعمدتُ أن أتأخر عليه ، علنى أثأر منه..
بالتأكيد تتذكرون ما حدث اليوم أثناء حديثى معه..
لقد أغلقتُ الهاتف فى وجهه عمداً ولو كان أمامى لكنتُ قتلته بسبب فعلته..
أكاد لا أصدق ما سمعته أثناء حديثى معه.. لكنى واثقه من أننى سمعتُ صوت تلك السخيفه أبنة خاله..
بالطبع لقد وجد طاهر الفرصه سانحه له أثناء غيابى عن المكتب وأتى بتلك السخيفه لتؤنس وحشته..
لكن... صبرك بالله يا طاهر..
فمن الأن فصاعدا ، أنا لن أتركك للحظه واحده ولن أسمح لهذه السخيفه "نهله" بالأقتراب منك..
كما أننى لن أسمح لك بأن تنظر إلى نهله أو إلى أى فتاه أخرى..
بالتأكيد مسموح لك بأن تنظر إلىّ أنا فقط.. لكن أياك أن تنظر إلىّ على أننى طفله صغيره..
من الأن فصاعدا لابد أن تنظر لى كفتاه بالغه تحبك وتعشقك ولا تتمنى سواك..
"ساره.. لقد تأخرتى على الرجل كثيراً.. أذهبى إليه وسأوافيكِ لأرى ذلك الـ طاهر بعدما أنتهى من تبديل الملابس لزينه."
أنتزعتنى أمى من شرودى فذهبتُ لألقى نظره عابره على مظهرى فى المرأه قبل أن أغادر..
"تبدين رائعه.. ستبهريهم فى الحفل."
نظرتُ إلى أمى التى كانت تنظر إلىّ بأعجاب واضح قبل أن تضيف بأبتسامه: "وستوقعين العرسان فى شباككِ."
ضحكتُ وكدتُ أقول لها أننى لا يهمنى أى شخص فى الحفل ؛ فإن أهتمامى منصب على شخص واحد.. واحد فقط.. هو الذى يملك كل مشاعرى.. هو الذى أشتاق إليه ومتلهفه على رؤيته..
وهل هناك سوى طاهر؟ حبيب قلبى.. ونور عينى..
حملتُ ملك التى كانت تغط فى سُباتٍ عميق وغادرتُ المنزل..
رأيتُ سيارة طاهر فأتجهتُ إليها وقلبى يخفق بعنف.. كان طاهر جالساً بداخل سيارته وكان يتحدث بالهاتف..
فى البدايه لم ينتبه إلى وجودى مما جعل الفرصه سانحه أمامى لأتأمله ملياً دون أن يرانى وأنا أتأمله..
كم أشتقتُ إليه! وكم أشعر برغبه جنونيه فى أن أرتمى فى أحضانه وأخبره بما أكنه له من مشاعر!
كان طاهر منهمك فى الحديث فى الهاتف حين وقع بصره علىّ..
أبعد طاهر الهاتف عن أذنه ونظر إلىّ ملياً..
لستُ أدرى لما بدت لى نظراته غريبه.. كأن مظهرى لا يعجبه..
لا يا طاهر أرجوك.. لقد أشتريتُ هذا الفستان بمبلغ مُحترم وذهبتُ إلى مصفف الشعر الذى نادراً ما أذهب إليه..
وكل هذا من أجلك أنت..
لا تصدمنى وتقول أن مظهرى لا يعجبك..
وفجأه بدأت ملك فى البكاء لتنتزعنى من شرودى..
فتح طاهر باب السياره وقال لى: "تفضلى."
دلفتُ لأجلس بجانبه فى حين واصل طاهر حديثه فى الهاتف..
*************************
كنتُ أتحدث إلى هانى فى الهاتف حين لمحتُ ساره تقف على مقربه من سيارتى..
كانت ساره ترتدى فستاناً ضيقاً ، عارى الأكمام ، وذهبى اللون.. أما شعرها فكان منسدلاً على كتفيها فى نعومه..
بأختصار.. كانت تبدو فاتنه.. بل وأكثر من فاتنه..
كنتُ مأخوذاً بجمالها حتى أننى لم أنتبه إلى أننى لستُ وحدى الذى يتأملها..
تفجر غضب هادر فى أعماقى حين لاحظتُ أن جميع الماره يتأملونها بإعجاب واضح..
سيطرت علىّ فكره مجنون فى أن أغادر سيارتى وأعود بساره إلى منزلها وأجبرها على تبديل ثيابها بثوب أخر محتشم.. لكن الفكره ولدتُ وماتت قبل حتى أن تراود نفسى ؛ فإن ساره ليست سوى سكرتيرتى وليس من حقى أن أختار لها ثيابها !
فتحتُ لساره باب السياره لتدلف إليها..
أنهيتُ الأتصال وألتفتتُ إليها قائلاً بإستياء عجزتُ عن أخفاءه:
"ثيابك خفيفه جداً.. ألا تشعرين بالبرد؟"
بدت ساره مصدومه للحظات ، وربُما كانت صدمتها بسبب الطريقه التى نطقتُ بها جُملتى أكثر من الجُمله نفسها..
ندمتُ على ما تفوهتُ به حين رأيتُ خيبة الأمل تكسو وجهها قبل أن تطرق برأسها أرضاً دون أن تنطق بكلمه واحده !
************************
"ثيابك خفيفه جداً.. ألا تشعرين بالبرد؟"
كانت هذه هى الجُمله التى قالها لى طاهر حين دلفتُ إلى سيارته.. وكانت هذه هى الجُمله التى حطم بها طاهر أحلامى وأمالى..
كم أشعر بالأحباط !! وكم أشعر بالندم على مرتبى الذى أنفقته فى شراء هذا الفستان وفى الذهاب إلى مصفف الشعر!!
لم أتصور أبداً أن يكون هذا هو رد فعل طاهر على مظهرى.. لقد كنتُ أظنه سيعجب بمظهرى.. وكنتُ أتوقع الأطراء منه لا الأحباط..
"ساره."
ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ فى خفوت: "نعم."
ظل طاهر صامتاً للحظات ، وبدا لى كأنه يبحث عن الكلمات ، قبل أن يقول: "كيف حالكِ؟"
الأن فقط تذكرت أن تسأل عن حالى !
ألم يكن من الذوق أن تسأل عن حالى أولاً ثم تعلق على ثيابى بعد ذلك كما تشاء؟
أو ليس كما تشاء جداً..
ما كان يتوجب عليك أن تحبطنى هكذا.. وإذا كان مظهرى لا يعجبك فهناك ما يُسمى بالمجامله.. أم أنك لا تعلم أى شئ عن المجامله؟!
قلتُ بسرعه وأقتضاب: "حمداً لله."
وفى هذه اللحظه لمحتُ أمى وزينه وهما تقتربان من السياره ، نظرتُ إلى ملك التى كانت نائمه كالملاك وقبلتها ثم ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ:
"لقد وصلت أمى.. إلى اللقاء."
مددتُ له يدى بملك لكنه قال دون أن يمد لى يده ليأخذ منى ملك: "إلى أين؟"
قلتُ: "سأذهب مع أمى إلى القاعه."
قال طاهر بمزيج من الدهشه والأستنكار: "تذهبين وحدكِ! وبهذه الثياب!!"
صدمنى تعليقه وشعرتُ بوجهى وقد توهج من الإحراج ، ولما لاحظ طاهر أحمرار وجهى قال برقه لا تخلو من الحسم:
"سأقوم بتوصيلكم إلى القاعه."
**************************
اليوم سيأتى طاهر بأبنتى.. وستعود ملك إلىّ بعد فراق دام لمدة أسبوعان..
آه.. كم أنا مشتاق إليها!
بين الفينه والأخرى أذهب إلى النافذه وأترقب حضور طاهر بها..
"هانى.. ماذا تفعل عندك؟"
ألتفتتُ إلى أمى التى قالت العباره السابقه وقلتُ: "أنتظر وصول طاهر."
والدتى أبتسمت وقالت: "طاهر أم ملك؟"
قاومتُ أبتسامتى ووأدتها فى مهدها ، ثم قلتُ: "آه يا أمى.. كم أشتقتُ إلى أبنتى."
أتسعت إبتسامة أمى قبل أن تقترب منى لتغمرنى بأحضانها فى حنان..
أمى أكثر من يشعر بى فى هذه الدنيا..
وهى أدرى الناس بما يعتمل فى قلبى من حزن على وفاة زوجتى.. والذى لم يتضاءل ولو بنسبه صغيره..
مسحتُ إحدى العبرات التى خانتنى وسالت على وجنتاى تحرقنى ، وقررتُ أن أبعد الذكريات عن عقلى ؛ فاليوم سأرى أبنتى ولابد أن أكون سعيداً بهذا..
وبينما كنتُ فى ذلك تسلل إلى أذنى صوت بكاء أبنتى.. أبعدت نفسى عن أمى التى سألتنى: "ماذا هناك؟"
هذه المره تركتُ أبتسامتى تطفو على شفتاى وأنا أقول: "ملك.. لقد وصلت يا أمى."
وفى هذه اللحظه دق جرس الباب..هرولت لأفتح الباب.. كان طاهر يقف أمامى حاملاً ملك التى أجهشت فى البكاء..
لم أتبادل مع طاهر كلمه واحده ، ولم أصافحه حتى ، وحملتُ أبنتى وضممتها إلىّ أخيراً..
آه يا ملك.. كم أشتقتُ إليكِ! وكم أشتقتُ إلى أمكِ!
كنتُ سدخل دائره الذكريات إلا أن صوت أمى أنتزعنى من شرودى وهى تحث طاهر على الجلوس..
جلستُ بجانب طاهر الذى قال مازحاً: "ها هى ملك قد عادت إليك.. لم أسرقها ولا شئ."
أبتسمتُ وقلتُ: "مهما قلتُ لك يا طاهر لن أستطيع أن أشكرك على ما فعلته من أجلى الأيام الماضيه."
أبتسم طاهر بدوره وقال: "لا تقل هذا يا هانى.. أنك بالنسبة لى أكثر من صديق."
بالفعل أنا وطاهر أكثر من أصدقاء ، ولو كان طاهر هو الذى مر بما مررتُ به لا قدر الله ، كنتُ سأقف بجانبه وأدعمه تماماً مثل وقفته بجانبى ودعمه لى..
قلتُ: "وبرغم هذا لابد أن أشكرك.. كما لابد أن أشكر ساره أيضاً على أعتناءها بأبنتى طوال هذه الفتره."
عقبت أمى على جُملتى قائله:
"معك حق بُنى.. لابد أن نشكرها على أعتناءها بحفيدتى ، وإن لزم الأمر فسأذهب إليها بنفسى لأشكرها." !!
تتبع
ان شاء الله
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا